تعليقات كمال العيادي في موقع دروب 2

تابع مقالات الأديب التونسي كمال العيادي

غابة الوحوشالشاعر الحبيب والصّديق القريب شربل بعيني،
نازلا من غابة الوحوش،
تعترضني قصيدتك،
فتطبطب على كتفي.
هذا الربّيع ليس له علامة…
ربّما كذبت كلّ الفراشات
وربّما كذب الخطاف ثانيّة…
ربّما نحن لا نرى الالوان كلّها.
قصيدك صلح مع النّفس،
وعتاب لكلّ ذنوب السماء،
حين تعرض عمدا عن أوجاع الأرض.
وحدهم الشعراء لا يموتون…
ولكن، أيّ ثمن هذا الذي يدفعون…
أيّ صليب مسنّن يحملون….
محبّة يا غالي…
أعيش شعرك يسوطني
وكأنّني حمّلت كلّ تفاصيل اوجاعك.
فما أجمل وما أنبل الشعور
بأنني احمل عن شاعر بعض اوجاعه،
وأنا أحيّيه متعمّدا ألاّ يرى من وجهي
إلاّ نصفه المبتسم.
محبّة لا تضيق، رغم كلّ هذا الضيق.
**
الراعي الوحيدالعزيز شربل بعيني الرّائع
وانت والله الأحقّ بكلمتي..
أحسّ دبيب كائنات سرد في قصيدتك هذه
بل هيّ كذلك..
هذا النّفس الجديد أحبّه،
أتّدفأ على جمر الحكاية في مدفأة الشّعر،
العمق الأخّاذ والسّكينة..
الشّكوى من العناصر للعناصر..
وتسجيل ملاحظات الأشجار من رفقة الطّريق..
وصحبة الضّوء الشّاحب
الذي لا زال يخون وقار الأتون.
غابة حزنك مثمرة أشجارها،
وتغري كلّ مساء بالتّوغّل فيها من جديد
أشدّ بكلّ حبّ وفهم وقوّة على يديك
راعياً وحيداً
يقشّر بثور الزّمن بصوت نايه
ويحدّث العشب عن نزق الأشجار
التي تحلم بالرّحيل..
وقد تفعل!
معجب بكلّ ما أقرأ لك من نثر وشعر
ومعجب أكثر بروح الحقّ والسموّ
في قفص صدرك المعبّأ بالحبّ والخير والجمال
صداقتي وحبّي وتقديري لك : شاعراً وصديقاً
لا ينال منه الزّمن
غير بعض ما يملك فيه من ظاهر
وهذا والله مضحك قدّام ما يترك حسرة لك،
ولا يقدر عليه في جوهرك.
**
بين الشمال والجنوبالكبير الحبيب شربل بعيني
أكتب لك من البيضاء…
وأنا سكران بوجوه وحضور أحبة
يعرفون من أنت..
حدثتهم عنك،
ولم أخفِ عنهم أنك رغم كل ما يعرفونه، أكبر.
سعيد بأنك تنير الدروب،
وبأن مجلة ليلى تتركك تتألق بين الحدائق القديمة
وفي قلوب أحبة لا يخون قلبهم أبدا.
أحييك أيها الكبير…
وأنا بين القطار الشمالي والقطار الجنوبي.
محبتي أيها الغالي.
**
مراوح الهواء ونزق الكنغروالعزيز الغالي شربل بعيني،
كيف حالك أيّها المبدع الدّونكيشوتي،
وكيف مراوح الهواء ونزق الكنغرو معك..؟
أتابع أخبارك…
ولا أتردّد في التلصّص عليك بين الحين والحين.
مهتدياً بقِرى مجلة ليلي التي ألهتك عنّا…
كما كانت قد ضيّعتنا الدّروب من قبل،
بين صباح يترنّح بما يسوق من بريد عجيب،
وما يتهاطل من أوراق المساء والأحاجي.
أعرف أنّك تهمّ بكل ما لديك..
وما كان عليك..
وما إليك..
حين يكون الجدّ…
وأعلم أنّ قدرك الصليب الثقيل،
تتحمّله حبّا وكرامة طالما كان في ذلك بعض العزاء
لمن كاد يعصف به اليأس…
وأعرف أنّك تنزّ وتتفصّد آهاتٍ..
وحميةً..
وتعباً..
وإرهاقاً مرعباً أحياناً..
ولكن ها أنّك، كما وحقّ الله أعرفك،
لا تأخذك القسمة عن أحبّتك أبداً..
ولا تترك للرّيح مضاربك الأولى..
وها أنت تعودنا وتعود إلينا حاملاً كلّ وزر هذا الطيب
والمعتّق منها وإليها..
فسلام هيّ ملهمة…
وسلام العبارة تتكوّر منها بين يديك بقدرة..
وتعود الكلمة المارقة جاريّة الجلاّس والندماء..
وسلام، ترجعها العبارة راضيّة مرضيّة..
تضوع ببخور الفصول القديمة
والمناديل المعقودة بالرّجاء..
وتعجّ بأصوات حيّة تصّاعد وتمور..
فكأنّما كلّ الدّنيا على قدم وساق..
تشهد المساق..
وتهمل حينا وحينا تشتاق.
وإذا هيّ الأحضان بعد الوحشة..
وإذا هيّ خمرة المشتاق وردّة العاق.
قرأت نصّك الشعريّ هذا (سلام عليها)،
فعدت منها وقد زاد شوقي وحنيني
لبيت الجارة الأولى..
وإرضاء القصيدة التي لا تخون..
ولكنّها تتمنّع عن حقّ..
ومن غيرها يستحقّ هذا الحيّز الضّيق
من العمر المولول المليء بالثقوب والأحاجي..
على ما فيه أيضا من وعود..
ومن ذنوب رائعة، علّنها العزاء..
نغفر بها كلّ ما يفوت ويموت
من أماسي البرتقال أو صباحات التّوت.
مكتظّا بكلّ هذا الذي قرأت..
قلت لا بأس..
أحيّيه تحيّة تليق بمقامه،
ثّم أعود للقصيدة أحتلب منها ما يشفي
ويروي بعض ظمإ المسافر المغبرّ
والمثقل بقشور العبارة العابرة
بين توابيت الصمت الدّاكن وجعجعة الغابرة.
تحيّة أيّها الرّائع..
ولا تغب عن دروبك،
فكلّ ليلى ظالمة، وإن رحمت.
محبّة …يا كيف لها - حقّ الله - أن تبلى؟
**
فتنة العبارة.. وأنوثة البحرالحبيب القريب الغريب مثلي
عن كلّ هذا الحفل وألوانه الصاخبة،
صديقي ونديمي..
نديمي الذي من الجمر ملبسه،
الكبير شربل بعيني،
غبت طويلا أيها المتفرّد
المحلّق في جبروت الأغنيّة المعتّقة،
واللحن العذب.
غبت وشغلتك عنّا سفن مجلة ليلي
وزينتها البهيّة..
قرأت قصيدتك،
فاعترتني من الرّهبة والوجد رعدة
فزعت فيها بآمالي إلى القيروان..
حيث لم تعد للأسوار معنى غير الذكريات..
والخال المرسوم وشماً في صولجان الذاكرة
المثقّلة بالحنين..
وحقّ لي أن أزهو بقصيد يرجعني إلى ألفة
لم تيبس أوراق شجرتها منذ ثلاثين.
مزّملا.. قرأت قصيدتك
مكتظّا بكلّ هذه العبارة المارقة،
أعيد قراءة نشيدك
وأهزّ رأسي مستنشقاً ما يعيده صرير الرّيح
من ريح المناديل المعقودة للوعد
وبعض عطر العتاب.
شكرا أيّها البلبل،
الشحرور،
الحسّون، المالك الحزين.
شكراً.. وأنت تركبها الرّيح
وتركبنا كلّ ملحها الأزرق
في هذا الزمن الوطن الشحيح…
هذا الزّمن الذي تكاد كليتاه تنفجران غيظا
من كلّ هذا الزّور،
وكلّ الشعر العهن المغشوش المرشوش المنفوش.
شكراً..
إنّك ملاّح بين قلّة،
يعيد فتنة العبارة،
وانوثة البحر،
لبيت الشعر الصافي…
شعر الينابيع،
مسيح كلّ الآثام والدنس الإبداعي المسقط.
كلّي إمتنان لهذا القصيد الذي حملني إليها
وحمّل عطر مناديلها إليّ…
محبّة يا غالي.
**
شيئان.. وبحيرةالعزيز شربل بعيني
شيئان فيك أحبّهما،
وشيئان في نصوصك أقدّرهما..
أمّا عن الشّيئين اللذين فيك،
فمرح،
وفكاهة،
وقلب يحلّق فوق كلّ مستنقعات العالم،
مبشّرا بسماوات زرق،
وحيوات أخرى ممكنة.
وأمّا عمّا في نصوصك،
فبساطة نافذة للقلوب،
وسلاسة آسرة لها أيضاً..
وبين هذا وذاك،
كنت أوّل من آمن بك،
حين كانت دروب طرقات لا تخلو من لثغة
أو بعض سنّ حليب.
أنت كما أسلوبك:
خفيف،
نظيف،
عفيف،
لطيف،
ظريف،
رهيف،
ودروب بدون نصوصك،
كما البحيرة من غير بائها
شكرا أنّت ما انت. كما انت.
**
أقلام وعاهاتالعزيز شربل
من المهمّ أيضاً وجود أقلام مثل قلمك
يفتضّون غشاء المسكوت عنه..
وأنت جدير أن تكون متقدّماً
وسبّاقاً في كشف عاهات المجتمع التي تكبّله،
وتكلّس ظهره المعوجّ.
دمت لنا أيّها الكريم
**
عصفور.. وفراشةالعزيز شربل بعيني
مثلما ينقر العصفور كفّ الشّباك المغلق.
يدقّ عليه مشفقا ألاّ يؤذيه..
مثل الفراشة، يسحرها التّيه..
تراني أساق لنصّك،
نصف مغمض ونصف مندهش..
أترك لنصف قلبي اليمين أنّ يتمسّح كلماتك.
محاولا تقشيرها..
فيزجره نصف قلبي الآخر عن ذلك..
كون تفّاح الصّفاء لا يقشّر
مثل ثمار الدّنيا وبقلها.
أحيّيك من اجل هذا النصّ الرّائع.
ومن أجل كلّ ذلك الصّدق الذي يربكني .
محبّة وصداقة لا تبلى.
**
واحد هو لبنانالكبير شربل بعيني
واحد هوّ البحر، واحدة أوجاعه.
واحد هوّ الفرح، واحدة أمواجه.
واحد هوّ الحزن، واحدة قضبانه.
واحد هو لبنان، واحدة أشجاره.
واحد هوّ القلب، واحدة أهاته.
واحد هو صوت النّاي، واحدة آنّاته.
وأنت يا شربل بعيني واحد..
متفرّد..
توزّع الفرح والأعياد بين اليتامى
هذا نصّ ككلّ نصّ لا زلت تكتبه
لا بدّ أن يكون سببا في عناق حبيبين
ربّما أدخّن يوماً سيجارة أخيرة
تحت تمثال لك قرب حدود لبنان
التي ستتّسع بالتّاكيد،
وقد تصل حدودها القيروان.
محبّتي وما أملك من أمل في غد لبنان العظيم..
كما كان وأفضل.
**
اشتياقالصديق..
الطيّب..
الأقرب..
المبدع شربل بعيني
رغم انّني اشتقت لمقالاتك المحنّكة
تلك التي تعبّ من هموم النّاس
لتواجه النّاس بشكل ساخر لطيف رائع
رغم ذلك
فقصائدك ايضاً تنير دروب.
**
لا غالب إلا الحبحبيب الجميع
صاحب فوانيس المحبّة شربل
غبت عن الدّروب أسابيع،
فظننت كلّ الدّروب معتّمة.
أينك أيّها الباسط كفّيه وقلبه لنور الله
الذي لا نكاد نراه؟
افتقدت غصن الزّيتون،
تكنس به ما علق على الرّفوف والزّوايا
من غبار الوقت وبثور البغضاء العابرة
والنّفوس الضيّقة إلى حين.
أيّنك يا رجل؟
أفتقدناك،
وكدنا نخرج مندّدين بحبس الفراش
عن حقول الياسمين؟
نصّك هذا، كجلّ، بل ككلّ نصوصك،
يصبّ في نفس الخانة
التي ما زلت تخرج من جمانك منها للنّاس.
نصّك هذا، ليس مصادفة،
ولم يكن ترديدا شاحبا بلا روح،
أو مجرّد تهنئة للمرأة بعيد المرأة
(كونك اخترت الثّامن من مارس، لنشره)،
ولكنّه نصّ يقشّر فيرى لبّه..
فإذا ما خلّينا عنه ما يزيّنه من ثوب السّرد،
وجدنا أنّه يأخذ توّاً بعمق المسألة،
ويدعو إلى ما من أجله حقّاً كان هذا العيد:
عيد المرأة.
المرأة مدرسة…
إذا صلح حالها، صلح المجتمع كلّه لاحقاً،
وإذا طلح أمرها كان الويل والثبور.
المراة شرّ يعبّ منه ويكرعه الطّفل،
لو كان ما يسري في عروقها سموم..
وما يشدّ أعصابها توتّر،
وما يملأ راسها وسوسة الجهل،
أو ذاكرة الأحقاد او اللامبالاة،
وهي بقدر ذلك خير وسلام ورقيّ،
ما كان أمرها خير،
وباطنها مثل ظاهرها مودّة وتربيّة اصيلة،
وحبّ العباد وجميل الثقافة الرّاقيّة النافعة والودّ والحبّ..
هذا العيد، يذكّرنا أنّه لا خير في مجتمع،
ينكر حقّ المرأة أن تكون سيّدة نفسها
وضميرها ومواقفها الثابتة.
وهو دعوة لنا لتذكّر ما وراء ذلك من دعوة ملحّة
ومسؤوليّة لبناء متين ثابت.
بعد النظّر وعمق نصّك هذا،
إنّما منبعه من اعتناقك لهذه الرّؤية،
ومقاربتك لتلك الرؤيا.
فإنت تسوّي الأرضيّة الاجدر بالأهتمام الآني،
وهي العائلة،
ونبذ الخلافات..
ودحض الظنون والشكوك
والتوجّس ( سموم الشراكة)..
وفي نفس الوقت أنت تبشّر من خلال ذلك
بنهاية لا بدّ منها لكلّ الشرّ
كلّما كان للحبّ حيّز أكبر..
ولذلك،
كان الزّوج قد بدأ فعلاً كزوج وكرجل
وكشخصيّة ايجابيّة في النصّ،
حالما صرّح رغم كلّ ما قيل بحبّه اللامشروط لزوجته.
لا غالب إلاّ الحبّ
لا غالب إلاّ الحبّ
والمصالحة والتسامح.
شربل العزيز
جمال نصوصك أنّها بسيطة وعميقة
أنّها تعبّ من عالم ابناء الله الأخيار والأشرار إلى حين،
تعيد الماء للآبار الجافّة،
وتمسح دموع الحيارى من أيتام الأرض،
وأبنائها الأخيار والاشرار.
وهذا ايّها الرّائع
أقصى ما يمكن للكاتب الحقّ أن يقوم به من دور
بعيدا عن الحذلقات اللّغويّة،
والاتّكاء بأضافر القاموس المعقّد على قلوب القرّاء
والتبجّح بفقاعات الكلام
ودهون ومراهم الابداع المحليّة والمستوردة.
أنت فوق اللّغة،
كون اللّغة وسيلة بائسة،
وخائنة في كثير من الأحيان
لترجمة ملح أو مرارة أو سكّر قطرة واحدة
من هذا البحر الذي اسمه: حياة
محبّة أيّها الرّائع
ومرحبا بك في بيتك الحقيقيّ
مرحبا بدربك بين الدّروب.
**
حارس شجرة الارزشقيق شق الكبد المتورّم
وسفير مسيح المحبّة،
حارس شجرة الأرزّ من نزق الكركدنّ،
العزيز الغالي شربل بعيني،
مرّ زمن، لم أكاتبك، ولم تكاتبني فيه،
رغم كلّ ما يعتريه
ويعترينا من قلق وتيه،
ورغم إمتلاء الجراب
وفيض الجيوب
عن حاجتها من الاحداث والعلل…
وربمّا ألهانا التكاثر يا صديقي،
وربمّا كان حدث وإن وصل خبر موتنا الآنيّ المشروع
إلى من لا نريد كما يريد رغم كلّ حرصنا المبالغ فيه،
أن يكون ذلك هادئا وسريّا كما يليق،
بحيث لا يثير غبارا يؤذي مثيريه،
ولا يجرح كبرياء أحبّة
لا يحسنون تأويل الأحاجي والأحلام.
وربّما كلّ ما في الأمر يا صديقي،
أنّ طلبات مجلة ليلى وأحاجي الدروب
ألهانا عن حطّ أحمالنا ووضع أوزارنا
كما كنّا نفعل في ذلك الزمن البعيد،
والركون لقشة من الوقت الجميل
إلى كسرة الشعير
ومزود اللبن المعتّق
وحفنة الملح،
والبصيلة الخضراء،
نتجاذب أطراف الحديث،
ونزيّن ليل الغربة
المتشابه بألوان حكاياتنا وأوجاعنا المرحة.
وقد يكون أنّ الأسباب جميعا تجمّعت،
كما مازالت تتجمّع أيها الصديق…
لم يك في وسعي أن أعزّيك في لبنان،
ولبنان أمكر من أن يموت!
ولم يكن وقت توت،
لأهنئك بنضج ثمار التوت.
كان الوقت سلحفاة
قلبوها على ظهرها إلى حين،
وكنّا ندرك معا،
أنّ السلحفاة لا تبقى مقلوبة إلى الموت،
وأنّ الارض فاسقة وداعرة،
ولكنّها امّنا الأرض.
لذلك،
ربّما كانت قسوتنا كلّها
لا تتعدى أننا نعبّر عن حبّنا بنبل الصمت،
حين استشعارنا لضرورة الصمت،
كما كناّ نعبّر عنها بالبوح
حين تضيق صدورنا بالصمت.
ما أكثر أعذارنا حين نبحث عنها يا صديقي.
وكم سيبدو موقفنا ساذجا لو خيّرنا الإعتذار بدل البحث عن أعذار،
ولو كانت أوهى من خيوط العنكبوت.
كيف حالك يا أنت ؟
أيها الراهب المتنسّك في محراب المحبّة الأبقى ؟
أمّا عن حالي،
فحالك حينا، وحينا أقلّ حلكة،
حين أفكّر أنّ ثلاثة أرباع أيتام الله
حالهم أحلك من حالي،
الصباحات متشابهة،
والليل موّال لم يتغيرّ من عشرين…
لم يمت من الجيران غير من لم أتعرّف إليه!
والمطر كعادته،
يرشّ الأرض السفليّة مرّتين في اليوم،
صباحا مساء..
لم يكبر ابناء الحيّ،
وأصدقك القول أنني لم أر طفلا في الحيّ
منذ عشرين سنة أو تزيد..
ربّما لخروجي في غبش الفجر
وعودتي عند تورّم الظلام.
كلّ يوم، ومنذ عشرين،
هوّ السبب في انني لا أرى
كيف تنمو الأشياء.
وهذا الأمر بالتحديد،
لم يكن يزعجني في ما سبق،
لكنّه الآن يثقل كاهلي، ويزعجني جدّا..
ومنذ بلغت الأربعين رسميّا،
أمسيت وأنا أفاجئ نفسي كلّ يوم
بضيق واختناق من المكان والزمان معا.
أحسّ مؤامرة وغشّاً في الحساب،
ولا ادري هل كلّ ذلك بسبب النضج
أم بسبب ما يعتريني من إهتمام غريب
بضرورة متابعة الاخبار
وفساد الحكّام
وانحسار انفاس الإبداع
في بركة أهون من أن يحطاط لقفزها
في وثبة واحدة.
موت.. موت في كلّ مكان..
موت معلن وكريه ورائحة وباء.
قرأت للمرّة العاشرة،
ويا كم أخطئ في العدّ،
إعلانك وإحتجاجك الصامت هذا،
وأذهلني هذا الكمّ المخيف من القلق والتوجّس،
رغم أنني اشاركك تقريبا في كلّ رعشة
وكلّ تقلّص شريان..
بل أنني أصبت بالذعر حين قرأت
وقشّرت ما أردت قوله،
فإذا بي وكأنني أفاجأ بتصدّع قلبي
وتكسّر صلب الأحلام.
أيّ شؤم وأيّ رزيّة أصابت هذا الأخضر؟
ما الذي كان ينقص قبل عشرين
لنرى الموت كما يليق بمستشعر
وبشاعر أن يراه.
صديقي العزيز..
اكتب لك هذه الأسطر
وأنا أهمّ بالإلتحاق بجلسة الجمعة.
سأذكرك بالتأكيد مع العزيز حسن حمّودة والشاعر فواز قادري،
وسعاد رفاعي،
وكوثر التابعي،
ورائد نعيم،
وعبّاس خضر وغيرهم
ممّن سأجد من الأصدقاء.
أعدك بأننا سنضحك كيفما كان،
ولأيّ سبب..
وأنني سأرسل لك قريبا نصّا جميلاً،
أهديته لك،
فلا تنس أنّ هناك في مونيخ تحديدا
من يؤمن بأنّك من بين أعزّ اعزّ أعزّ أحبّته…. وأنّه يذكرك يوميّا،
قبل الصباح
وبعد المساء
ويوم الجمعة
والسبت
والأحد …
محبّتي التي يا وقدّ السما….
ما أصدقها..
**
التعليق الأخيرالعزيز الغالي شربل بعيني...
أجد التقديم جوهرة تزّين هذا العقد من الجمان الذي انت أهل له وأكثر.
أيّها الصديق الملهم المتكاثر في قلوب أحبّته وكل من يعرف معدنّه وجوهره النقيّ.
ما اشدّ هذا الصدّق والروّعة التي كتب بها الأخ د. على بزّي مقدّمته، شيء كالرّعدة اعترتني بعد قراءتها وكأّن هذه المراسلات في تقابلها وتقاطعها بعض من ردّ الاعتبار إلى أروع ما نثر الله في روح عباده، وهي فضيلة المحبّة والوفاء والتآخي.
إنّ هذه المراسلات النموذج لأفضل ردّ عميق مكثّف ملجم لبعض مقولات الاحباط واليأس، تلك التي ترى أنّ الإنسان انانيّ وشريّر بطبعه وهذا محرّك كلّ ما يأتيه من خير أو شرّ على السواء.
فما الذي يجمع بيني وبينك أيّها العزيز شربل بعيني، وبيننا وبين د. علي بزيّ، غير ملامح هذه الروح الطيّبة الزّكيّة التي تتوهّج أكثر بالتواضع، وتتجمّع بالانتشار، وتتسع بالتضييق على حب الذات، وتزهر بالقطف من اجل إسعاد الآخرين، وتسمو صوب سماوات الله المنزّه، بالحفر في ارضه، وغرس نبات طيّب كريم.
أليس هذا هوّ الله الذي ننشد منذ بداية الخلق في اشّد روعته وعظمته، وما كان اقربه، وبعضهم يضرب في الأرض بحثا عنه!.
بعد ذلك يسميه كلّ شعب باسماء مختلفة ويزيدون أو ينقصون في تفاصيل أثوابه وزينته كما يرونها، فهذا لا يبدّل في جوهره الأولّ الذي يجمع كلّ البشر. إنه ذروة اشراق كائناته حين تفيض به.
أولسنا أيضا من خيرة ما خلق، فكيف لا نكون من خيرة فيضه، ثمّ أليس الكتّاب والمبدعون خيرة هذا الخليط من الشرّ والخير والرّحمة والقسوة والنور والظلام؟
فكيف إذن لا تكون لهذه المراسلات تأثير بالغ على من يقرأها وفي قلبه بذرة من الصلاح والنقاء والصفاء والحكمة.
وكيف لا يكون لها صدى ولو بعد حين، وهي نابعة من قلوب لا تبلى محبّتها، ولا تزيدها المسافة والغربة وبعد المكان وقسوته غير اشعاع وتوهّج.
وكيف لا يكون كلّ ذاك كذلك وهي نصوص تغرف من عبارات صادقة نافذة إلى القلب والوجدان.
أجل يا عزيزي شربل بعيني.. أنا سعيد بهذه المقدّمة كثيرا وأسمح لي عبر هذا الردّ أن ارفع أسمى عبارات التقدير والمحبّة للاخ د. علي بزّي الذي
قرأت مقدّمته عديد المرّات وكنت في كلّ مرّة أجاهد كي لا يفضحني بلل في عينيّ من التاثّر وروعة الصياغة ودرر العبارات المنتقاة بإلهام مبدع ونداء عميق لمسكون بالمحبة ومثقّل ببذور الخير والجمال في أنبل معانيه.
**