قرف شربل بعيني و"عيب الشّومه" يهزّان الجالية العربيّة في أستراليا!/ اكرم برجس المغوّش

صحفي سوري مهجري

أحدث الشاعر والكاتب المسرحي شربل بعيني، في قصيدته "قرف" ومسرحيّته "يا عيب الشّوم"، ضجّة كبيرة، جعلت الأنظار تتّجه إليه، لتعرف ماذا يحدث. وكأنّ التحدّث أو استعمال مفردات نافرة هادفة، ممنوعان على شربل بعيني!!
لماذا شربل بعيني: لا.. ونزار قبّاني: نعم؟!
لماذا شربل بعيني: لا.. ومظفّر النوّاب: نعم؟!
شربل "المشاغب" هو المنتصر في النهاية، لأنّه قال الحقيقة، ومَن يمتلك القرار الصّواب هو المستهدف في هذا الزّمن المقرف.
شربل بعيني، الذي لـم يجرّح بأحد قطّ، تعرّض للتجريح الشّخصي من قِبَل أناس لـم يدركوا أبعاد كلماته، وبقي كما هو، محبّاً للجميع، يستقبلهم بابتسامته المعهودة وقلبه الطيّب. أليس هو القائل يوم تكريمه: " إن القلم الذي يكرِّم يُكرَّم، والقلم الذي يَشتُم يُشتَم". وبسبب القرف السائد في أوساط الجالية، قصدنا الشاعر شربل بعيني لنقف على رأيه في هذا الحوار:
ـ أستاذ شربل، هناك عملان جديدان لك، سيكونان محور لقائنا اليوم: مسرحيّة "يا عيب الشّوم" وقصيدة "قرف". وسنبدأ بالمسرحيّة، كيف خطر اسمها على بالك؟
ـ عبارة "يا عيب الشّوم" متداولة على ألسنة الناس منذ غدر قايين بأخيه هابيل. ولكن، ولحسن حظّي، لـم يفكّر أحد من قبل بتحويلها إلى اسم مسرحي كما حدث الآن.
ـ نقدك في المسرحيّة كان جارحاً، لماذا؟
ـ سأجيبك على سؤالك هذا بعبارات وردت في المسرحيّة، على لسان إحدى التلميذات: "إذا رحت لعند الحكيم تا تفحص حالك، ما بيقلَّك عينك منيحة، إجرك منيحة، كرشك منيح. بيقلّك: عينك رمدانة بدّا قطرة، إجرك مكسورة بدّا تجبير، كرشك منفوخ لازم توقّف شرب البيرة، ونحنا بهالجالية لازم نداوي الجرح وما نخاف".. هل هذا يكفي أستاذ أكرم؟
ـ أجل.. ولكنّك خوّفت النّاس، لدرجة أصبحوا معها، يفكّرون أن كل ابنة تاهت، هي ابنتهم؟!
ـ وهذا دليل قاطع على صحّة ما أقول. صدّقني أن لا أحد يخاف من اللاشيء، وطالما أن هناك أشياء اسمها: المجتمع الفاسد، الحريّة المطلقة، الإباحيّة الزائدة، فعلينا أن ندقّ ناقوس الخطر، وعلى الأهل أن ينتبهوا، والويل ثـمّ الويل لمن يدسّ رأسه، كالنعامة، بالرمل. أو لمن يبني بيته بدون أساس، فلسوف تجتاحه السيول وتتقاذفه الرياح.
ـ الصحافة، الأدب، الفنّ، الجامعة اللبنانية، المخدّرات، الطلاق، طاولات الشرف، وغيرها من المواضيع الهامة. كيف تمكّنت من معالجتها بمسرحيّة واحدة؟
ـ جميع المواضيع التي ذكرت، لملمتها وجمّعتها في شخصيّة واحدة، هي الإنسان المغترب. فعندما كتبت "يا عيب الشّوم" وحّدت كل تلك الآفات في تلك الشّخصيّة الواحدة، ليجيء عملي واحداً، والدواء واحداً، والحلّ واحداً.
ـ معظم الذين حضروا مسرحيّتك أعجبوا بها، رغم أنّك تتهكم عليهم، وتنشر غسيلهم على السطوح. فما تفسيرك لهذا؟
ـ لجوئي إلى النكتة المتواصلة طوال مدّة العرض، سهّل أمامي الوصول إلى قلوب من أنتقدهم، فلقد شعروا، منذ إزاحة الستارة، أنني أحاول التقويم لا التحطيم، وأنني أطرح أمامهم الغثّ والسمين، وأدعوهم للاختيار. المسرحيّة كتبت بعناية فائقة، واستغرق درسها عدّة أشهر، قبل الموافقة على عرضها.
تصوّر أن الموسيقار "ستيف وود" ملحّن أغنية ريما الياس "يا بلبل"، التي ترجمها إلى الانكليزيّة الأستاذ آميل الشدياق، قال بالحرف الواحد: " لـم أكن أتصوّر أن موضوعاً كهذا سيطرح للمعالجة على مدرسة كاثوليكيّة، كمدرسة سيّدة لبنان، وأمام شعب عريق بتحفّظه، كالشعب اللبناني. إن وصول الفتاة اللبنانية إلى "كينغز كروس" ليس بالأمر السّهل، ومعالجته أصعب ممّا يتصوره عقل، وقد نجح العمل".
ـ وطاولات الشّرف.. لماذا أنت ناقم عليها؟
ـ أنا أسمّيها "طاولات الأونطة"، وأعتبرها من أشدّ الأمراض الاجتماعيّة فتكاً، إذ أنها تخلق طبقيّة مذلّة في مجتمعنا الاغترابي، تميّز، أو بالأحرى، تفرّق بين الأخ وأخيه، ترفع الغني وتحطّ من قدر الفقير.
إنّها مسخرة العصر، وأدعو الجميع إلى مقاطعة الحفلات التي تتصدّرها طاولات الشّرف، تماماً، كما فعل الأطفال الصّغار في المسرحيّة.
ـ والآن، دعنا من المسرحيّة، وحدّثنا عن قصيدة "قرف".
ـ عندما دعتني جمعيّة أبناء بنت جبيل الخيريّة للمشاركة بتكريم الشاعر المحامي محمود بيضون، أصبت بالهلع والدوار، كيف لا، وبلدة بنت جبيل تتعرّض كل يوم لقصف صاروخي، ولإعتقالات مستمرّة، ولإحتلالات خبيثة تقشعرّ من هولها الأبدان. كما أن ابنها البار محمود بيضون قد تعرّض للتنكيل والاضطهاد والسجن لمدّة تزيد عن عشرين سنة. إذن، فأوضاع بنت جبيل، تحت الاحتلال الإسرائيلي، مقرفة. واعتقال الشاعر محمود بيضون مقرفة للغاية. فما كان منّي إلاّ أن كتبت "قرف"، وقد استقبلتها بنت جبيل البطلة بالهتاف والتصفيق المتواصلين، واعتبرها الدكتور علي بزّي من الدرر الشعريّة.
ـ والكلمات النابية؟!
ـ الكلمة كلمة.. والمعاجم التي لا تحتوي على كل المفردات المتداولة، تعتبر ناقصة ومرفوضة. ثـمّ أنّ الأوضاع التي ذكرت تتطلّب كلمات كهذه. وأعترف أمام القارىء، أنني قصّرت في تصوير قرفي، وكان لزاماً عليّ أن ألعن أعداء الشّعب والكلمة أكثر، وأن أكيل لهم الشّتائـم بكيل أكبر. ودعك من خزعبلات الشعر، وقيمة الشعر، والذوق الشعري، فالجريمة التي تمارس بحقّنا تتطلّب منّا شجاعة فائقة، وقصائد بحجم المأساة.
ـ ولكن، هناك من ينتقد القصيدة..
ـ أنا أشفق عليهم حقّاً لأنهم أميّون، طبّالون، ثرثارون، حاقدون، لا يقدرون على فكّ الحروف الهجائيّة، ومع ذلك يحاولون دسّ أنوفهم في أعمال أدبيّة، لـم ولن يدركوا أبعادها.
يا ناس، يا بشر، للنقد أحكام، أصول، إختصاصيّون، أساليب، إقناعات، طرق معبّدة، طرق محفّرة، جبال، تلال، سهول، أزهار، صور، ومحبّة تجعلك تقف أمام من ينتقدك بخشوع واحترام. أمّا ما حصل معي، فشيء لن يصدّقه عقل. يا عيب الشّوم، يا عيب الشّوم، يا عيب الشّوم!!
ـ ولكن هناك من انتقد القصيدة، ولـم تتعكّر صداقتك معه.
ـ بالطبع لا.. ولن تتعكّر، لأن من يحترم نفسه لا بدّ من احترامه، لذلك ينقسم منتقدو القصيدة إلى عدّة أقسام: إمّا انتقدوها عن محبّة يُشكرون عليها، وإمّا عن نقص يعانون منه، أو أن صراحة شربل بعيني باتت تزعجهم لحد الكره والتجريح الشخصي، ومحاربته في لقمة عيشه، وأخجل أن أخبرك ما فعل أحد "الشويعريين" المرضى، وكيف اتصل بالمراجع الدينيّة والمدنيّة والإعلاميّة والأدبيّة "لخنق شربل بعيني وتحجيمه وطرده من عمله".
ـ كل هذا بسبب "قرف"؟!
ـ .. وصدّقني أن موقفهم من شربل بعيني نابع من الحسد والحقد والأنانيّة، وليس من تطلّعات شعريّة كما يدّعون. إذن، فليخيّطوا بغير هذه المسلّة، لأنّها أصبحت مزنجرة من كثرة الاستعمال.
ـ هذا يعني أنّك راضٍ عن القصيدة؟
ـ إنّها أجمل وأعمق وأروع ما كتبت.. وأشكر اللـه، ألف مرّة في الثانية، أنني بيّنت قرف النّاس من حكّامهم، ومن أذناب حكّامهم، ومن كلّ الّذين يسيئون إليهم، إن كان سياسياً أو اجتماعياً، أو أدبياً، وأتمنّى أن تتغيّر ظروفنا السيّئة إلى الأفضل، كي لا أضطر إلى كتابة قصيدة تنسينا "قرف".
ـ ماذا يود أن يقول شربل بعيني في نهاية هذا اللقاء؟
ـ أودّ أن أشكر القرّاء على محبّتهم الدائمة لي، وعلى إيمانهم القوي بصدق كلماتي، وأنني، حين أكتب، أحاول أن أكون صوتهم، وان أتحمّل عذاباتهم، كي تأتي كلماتي مثقلة بالمعاناة الإنسانيّة، كما أدعوهم إلى مراجعة "قرف" واستنباط معانيها، وسبر أغوارها، وتسلّق أبعادها، لأنّها جديرة بالدراسة والإعجاب. وألف شكر لك أستاذ أكرم، على إتاحة هذه الفرصة لي لتوضيح بعض الأمور.
**